مريم العذراء سيدة الجبل
مزار “سيدة الجبل”
عبر السنوات منذ فجر المسيحية وحتى أيامنا هذه وهناك العديد من الألقاب والصفات والتي أُطلقت على القديسة مريم العذراء أم يسوع، حتى انه قيل أن هناك أكثر من ستة ألاف إسم ولقب أو صفة قد أُطلقت عليها. أن هذا الكم الهائل من الألقاب لهو ثمر الإكرام الذي تناقل عبر الأجيال والمرتبط عادة بالظهورات التي تمت في دول العالم المختلفة، وبالإحتياجات والأنشطة البشرية وأحداث صاحبت تاريخ الخلاص، والألقاب المرتبطة بالتعاليم اللاهوتية وغيرها. وإذا ما إستعرضنا مثلاً صلوات الكنيسه فنجد انها زاخرة بألقاب وأوصاف السيدة العذراء تحتاج منا الى بحث طويل لتظهر منها بعض أبعاد علاقة المؤمنين بالعذراء ومكانتها في الكنيسة .
تعود هذه التسمية “سيدة الجبل” إلى الطبيعة الجغرافية الواقع عليها هذا المزار، جبال جلعاد الشهيرة. ففي عام 1932، شاهد الأب أنجيلوا فوريستوا، كاهن الرعية (رعية عنجرة) في ذلك الزمان، هذا التمثال (القادم من ايطاليا) في البطريركية اللاتينية في القدس، وأراده لرعيته، حيث احضره ووضعه اولا في الكنيسة الصغيرة والتي كانت في ذلك الوقت في بيت الكهنة، ثم تمّ بناء مغارة صغيرة في ساحة الدير، وبقي على هذه الحالة حتى سنة 1970، حيث قام الأب يوسف النعمات (الذي اصبح كاهن للرعية بعد الاب انجيلوا) ببناء المغارة الحالية. تذكار لجميع الاحداث التي ذكرت في العهد القديم والعهد الجديد في هذة المنطقة، ومنذ ذلك الوقت بدأ المؤمنون يزورون هذه المغارة ويؤدون الإكرام لأمنا مريم العذراء.
لعب تزايد الحجاج المسيحيين إلى هذه البلدة، دورا هاما في بناء مزار قادر على استقبالهم. تم ذلك، عندما قام غبطة البطريرك يعقوب بلترتي البطريرك الأورشليمي بتدشين هذا البناء عام 1983، وكان في ذلك الزمان قدس الأب يوسف النعمات كاهنا للرعية الذي بناه بمناسبة يوبيل كهنوته الفضي. وفي عام 1989 تم توسيع المزار ليتسع اكبر عدد من الزائرين حيث كان عدد الحجاج في تزايد مُستمر. في عام 2000 اقر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني خمسة اماكن حج في الاردن وكان مزار سيدة الجبل من هذه الاماكن الخمسة.
تمثال “سيدة الجبل”
التمثال من خشب السنط القاسي جدا مُغطى بطبقة من الجبص يُتوقع عمره ما بين 150 الى 200 سنة ، نُحت في ايطاليا. ويُمثل هذا التمثال منظرا رائعا للقلب الطاهر منحوتا على صدر التمثال، والعذراء حاملة الطفل الإلهي بين ذراعيها، مُشيرا بيد إلى قلب العذراء الطاهر وباليد الأخرى إلى السماء، مُركزا بذلك على دور الأم وشفاعتها لأبنائها.
في عام 2009 وبناء على طلب آباء الكلمة المتجسد (الرهبان المسؤولين اليوم عن المزار والرعية) تم ترميم التمثال على يد الفنان الانجليزي Ian Knowles ، حيثُ كانت هناك اضرار وشقوق كبيرة في اماكن كثيرة في التمثال، ومع ذلك فالنحت الاصلي للتمثال انيق وجميل جدا. عند انتهاء الفنان من ترميم تمثال العذراء رسم اربعة ايقونات كبيرة تُمثل اسرار السبحة الوردية. فعند دخولنا الى المزار نستطيع مُلاحظة رواقين كبيرين في طبيعة البناء الخارجي للمزار، يغطي هذين الرواقين تلك الايقونات المصنوعة من الخشب المقوى حيثُ يبلغ حجم كل لوحة (3م X 2.70م). وقد استخدم هذا الفنان مواد طبيعية كانوا يستخدمونها بالرسم على زمن المسيح وخاصة في الفن الفلسطيني ورقائق الذهب كأساس للوحات وثياب العذراء، وبهذه الطريقة اراد الفنان أن يُبرز الرسم على الطراز الفلسطيني القديم.
هذه الايقونات تكشف للحجاج أسرار السبحة الوردية التي تدعو بدورها الزائر لمرافقة العذراء في هذه الصلاة الرائعة. يحمل الرواق الأيسر أسرار الفرح واسرار النور، ويحمل الرواق الأيمن أسرار الحزن وأسرار المجد.
الاحتفال السنوي
في عام 1990 إحتُفل لأول مرة في عيد مريم العذراء سيدة الجبل وقد اقر هذا الاحتفال غبطة البطريرك ميشيل الصباح الذي ترأس الاحتفال بحضور مئات الاشخاص من كافة مناطق الاردن. أما في الوقت الحاضر تُعتبر الجمعة الثالثة من شهر حزيران لكل عام، العيد الاحتفالي لمريم العذراء سيدة الجبل حيث يترأس الاحتفال غبطة البطريرك الأورشليمي اللاتيني واساقفة كاثوليك من طقوس مختلفة. ويبدأ الحجاج بزيارة سيدة الجبل اسبوع قبل الاحتفال واسبوع بعد الاحتفال. أما يوم الاحتفال فيحضر ما لا يقل عن 2500 مؤمن من كل مناطق الممكلة حيثُ يُعتبر مزار سيدة الجبل المزار الوطني لمسيحي الاردن.
نعَم مريم العذراء سيدة الجبل
وعلى مر السنين أخذت هذه الأم تفيض على مؤمنيها غزير النعم الخاصة التي يطلبونها قادمين إليها وطالبين شفاعتها. حيث تم تسجيل الكثير من النعم التي حصل عليها عدد من المؤمنين الطالبين شفاعة سيدة الجبل من شفاء من الامراض وتلبية رغبات واحتياجات كانت تبدو مستعصية على طالبيها. وقد تكللت تلك الاحداث ببكاء العذراء سيدة الجبل في السادس من ايّار لعام 2010 دماً. وقد اولت الكنيسة هذا الحدث جُلّ اهتمامها وقام غبطة البطريرك فؤاد الطوال وعدد من الاساقفة بزيارات خاصة للرعية خلال تلك الفترة. وقد قال البطريرك الطوال معلّقاً على هذا الحدث ” العذراء سيدة الجبل تبكي معنا وعلينا”. ان هذا المزار يحتل مكانة خاصة ومريم سيدة الجبل هي امنا الحنون التي تفيض بالنعم على كل من يقصدها طالباً شفاعتها بكل ايمان وتواضع.
حدث العذراء مريم في مزار سيدة الجبل
في السادس من شهر أيار من عام 2010، تواجدت إحدى الراهبات برفقة أربعة فتيات من المدرسة ومعلمة في المزار لتنظيفه، وكانت هناك ايضا أمراتين كبيرات السن في المزار.
داخل المزار هناك مغارة تحتوي على تمثال لمريم العذراء يحمل الطفل يسوع، محمية بباب من زجاج مُغلق بثلاثة أقفال. ومفاتيح الاقفال تُحفظ عادتا في بيت الكهنة.
وبينما كانت الراهبة تُنظف الباب الزجاجي الذي يوجد بداخله تمثال السيدة العذراء، شعرت بحركة داخل المغارة، لكهنا لم تهتم لإعتقادها انها انعكاسات الضوء على زجاج الباب.
بعدة عدة دقائق، بينما كانت الراهبة قريبة جدا من المغارة وامام تمثال العذراء بالظبط يفصلها عنه الزجاج، رأت وجه العذراء تحول الى وجه طبيعي وبدأت بالرمش (تحريك رموش العيون). في هذه اللحظة خافت الراهبة وصرخت، مُلفتة انتباه الحاضرين. وعند اقترابهم رأوا رموش العذراء تتحرك و سقطت دمعتين حمراء من عيون العذراء.
تم ابلاغ كل من البطريرك فؤاد الطوال والمطران سليم الصائغ بالحدث، فامروا ان تُغلق ابواب المزار على الفور. فتجمع حشد كبير من الناس امام المزار و بدأوا بتلاوة السبحة الوردية والتراتيل إكراما لمريم العذراء، بحضور عدد كبير من الجيران المسلمين الذين اتوا يتسالون عن سبب الدموع.
طلب سيادة المُطران سليم الصائغ فحص الدموع إلى مُستشفى راهبات الوردية في اربد، التابع لرهبانية الوردية الأورشليمية المُقدسة في القدس. وأكدت الدراسة أن عيّنة الدم بشرية حقيقية.
شكلت البطريركية اللاتينية لجنة لتحقق والاستفسار الدقيق عن الحدث وبعد أشهر من الدراسة، اكدت الكنيسة في الاردن انه لا يوجد اي تفسير بشري لما حدث. وبعد ثلاثة سنوات وخلال الاحتفال السنوي لمريم العذراء سيدة الجبل، أعلن البطريرك فؤاد طوال امام اربعة الالاف حاج، أن بكاء مريم العذراء دما هو معجزة، وقد قال سيدته: “مريم العذراء تبكي معنا وعلينا”.
لم تقل العذراء اي كلمة في ذلك اليوم، فقط بكت دم. بهذة الطريقة اظهرت لنا بوضوح حزنها الشديد من قلبها المبارك. فهي ام الكنيسة، فهي ترى وتُشارك معاناة ابنائها. بعد عدة اشهر من هذا الحدث بدأ في ال
شرق الاوسط ما يُسمى (بشكل خاطىء) “بالربيع العربي” الذي بسببة عائلات كثيرة عانات (وكثيرين ما زالوا يُعانوا) أسوأ فضائع الحرب …
حاليا عينة الدم التي اُخذت من وجه مريم العذراء سيدة الجبل موجودة في مستشفى راهبات الوردية في اربد تحت رعية الاخوات الراهبات.
يا سيدة جبل ، صلي لأجلنا!
صلاة سيدة الجبل الباكية
يا مريم، سيدة الجبل الباكية، ويا أمَّ الرحمةِ والبشرِ أجمعين،
يا مَن تبكين على البشر دما،وأسى على نفسي التائهة،
وعلى نفوس بنيك الضائعين،أسألُك فامنحيني أن أكفكفَ دموعَك الحَرّى،
بصادقِ توبتي وانسحاقِ قلبي، وعظيِم محبّتي ليسوع الرحيم. بين يديكِ أضعُ ذاتي ومصيري.
فاذكريني لدى ابنِك يسوع،كي أنالَ رحمة،وأكون بحبِّه مِن المُخلِصين الآن وعند ساعة موتي. آمين.
صلاة سيدة الجبل الباكية
يا مريم، سيدة الجبل الباكية، ويا أمَّ الرحمةِ والبشرِ أجمعين،
يا مَن تبكين على البشر دما،وأسى على نفسي التائهة،
وعلى نفوس بنيك الضائعين،أسألُك فامنحيني أن أكفكفَ دموعَك الحَرّى،
بصادقِ توبتي وانسحاقِ قلبي، وعظيِم محبّتي ليسوع الرحيم. بين يديكِ أضعُ ذاتي ومصيري.
فاذكريني لدى ابنِك يسوع،كي أنالَ رحمة،وأكون بحبِّه مِن المُخلِصين الآن وعند ساعة موتي. آمين.
صور من احتفالات بعيد سيدة الجبل